أبوبكر الصديق رضي الله عنه
هو عبدالله بن أبي قحافة , من قبيلة قريش , ولد بعد الرسول صلي الله عليه وسلم
بثلاث سنوات , وكان يعمل بالتجارة , ومن أغنياء مكة المعروفين , أعتنق الإسلام
دون تردد وكان أول من أسلم من الرجال الأحرار ثم أخذ يدعو لدين الله , فأستجاب
له عدد من الرجال قريش من بينهم عثمان بن عفان , والزبير بن العوام , وعبدالرحمن
ابن عوف , والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم جميعاً .
منزلته من الرسول صلي الله عليه وسلم .
كان رضي الله عنه من أقرب الناس إلي قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأعظمهم
منزلة عنده حتى قال فيه : " إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبوبكر , ولوكنت
متخذاً خليلاً لاتخذت أبابكرٍ خليلاً , ولكن أخوة في الإسلام " .
طلب أبوبكر رضي الله عنه من النبي صلي الله عليه وسلم أن يظهروا بمكة ويعلنوا
الدعوة علي الملأ , فقال الرسول صلي الله عليه وسلم " يا أبابكر إنّا لقليل " ....
فلم يزل يلح حتي ظهر الرسول صلي الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي
المسجد , وكل رجل معه , وقام أبوبكر خطيباً ورسول الله صلي الله عليه وسلم جالس,
وكان أول خطيب دعا إلي الله عز وجل وإلي رسول الله صلي الله عليه وسلم , وثار
المشركون علي أبي بكر وعلي المسلمين , فضربوهم ضرباً شديداً , ووُطئ أبوبكر
ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة , فجعل يضرب بنعلين مخصوفين , وأثر علي وجه
أبي بكر حتي لا يُعرف أنفه من وجهه , وجاء بنو تيم تتعادي , فأجلوا المشركين عن
أبي بكر , وحملوا أبا بكر في ثوب حتي أدخلوه , ولايشكون في موته , ورجعوا
إلي بيوتهم وقالوا " والله لئن مات أبوبكر لنقتلن عُتبة " . ورجعوا إلي أبي بكر وأخذوا
يكلمونه حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال : " ما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم
فنالوه بألسنتهم وقاموا .
ولما خلت أم الخير – والدة أبي بكر – به جعل يقول : " ما فعل رسول الله صلي الله
عليه وسلم ؟" قالت " والله ما لي علم بصاحبك " قال : " فأذهبي إلي أم جميل بنت
الخطاب فاسأليها عنه " . فخرجت حتى جاءت أم جميل , فقالت " إن أبا بكر يسألك
عن محمد بن عبدالله ؟" قالت " ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبدالله " , وإن تحبي
أن أمضي معك إلي ابنك فعلت ؟ قالت " نعم " فمضت معها حتى وجدت أبا بكر
صريعاً , فدنت أم جميل و أعلنت بالصياح , وقالت " إنّ قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق؟"
وإني لاأرجو أن ينتقم الله لك , قال " فما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟
قالت " هذه أمك تسمع؟ " قال : " فلا عين عليك منها " قالت " سالم صالح " قال :-
" فأين هو ؟ " قالت " في دار الأرقم " قال " فإن الله علي ألا أذوق طعاماً أو شراباً
أو آتي رسول الله صلي الله عليه وسلم . فلما هدأ الناس , خرجنا به يتكئ عليهما ,
حتى دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فانكب عليه يقبله وانكب عليه المسلمون
ورقّ رسول الله صلي الله عليه وسلم لحاله , فقال أبوبكر " بأبي أنت وأمي , ليس
بى إلآ ما نال الفاسق من وجهي , وهذه أمي بَرّة بوالديها , وأنت مبارك فادعها
إلي الله , وادع الله لها عسي أن يستنقذها بك من النار , فدعا لها رسول الله صلي الله
عليه وسلم ثم دعاها إلي الله عز وجل , فأسلمت , فأقاموا مع رسول الله صلي الله
عليه وسلم في الدار شهراً .
جهاده بماله .
أنفق أبوبكر معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد , ليحررهم من العبودية ,
ويخلصهم من العذاب الذي كان يلحق بهم ساداتهم من مشركي قريــــش
فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة , وأم عبيس فنزل فيه
قول الله تعالي :- { وسيجنبا الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكي } . صدق الله العظيم .
كما أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة , وأنه أول من
يدخل معه الجنة فقد قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم " أما إنك يا أبا بكر
أول من يدخل الجنة من أمتي " وأنه صاحب علي الحوض , وصاحبي في الغار .
كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو والد أم المؤمنين عائشة , لذا كان عظيم
الافتخار بقرابته من رسول الله صلي الله عليه وسلم ومصاهرته له , وفي ذلك يقول :-
" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلي الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي "
الإسراء والمعراج :-
وحينما أسري برسول الله صلي الله عليه وسلم من مكة إلي بيت المقدس , ذهب الناس
إلي أبي بكر فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك . يزعم أنه قد جاء هذه الليلة
بيت المقدس وصلي فيه ورجع إلي مكة ! . فقال لهم أبو بكر : إنكم تكذبون عليه
فقالوا , بلي , ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان
قاله لقد صدق , فما يعجبكم من ذلك , ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله
من السماء إلي الأرض في ساعة من اليل أو نهار فأصدقه ! . فهذا أبعد مما تعجبون منه
ثم أقبل حتي انتهى إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : يانبي الله , أحدثت هؤلاء
القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟. قال " نعم " قال يا نبي الله فصفه لي ,
فإني قد جئته , فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " فرفع لي حتي نظرت إليه "
فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر : صدقت , أشهد أنك رسول الله
حتى إذا أنتهي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لآبي بكر : " وأنت يا أبا بكر الصديق"
فيومئذ سماه الصديق.
مناقبه وكراماته : -
مناقب أبي بكر رضي الله عنه كثيرة ومتعددة , فمن مناقبه السبق إلي أنواع
الخيرات والعبادات , حتى قال عمر بن الخطاب : ما سبقت أبابكر إلي خير
إلا سبقني .
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يفهم إشارات الرسول صلي الله عليه وسلم
التي تخفي علي غيره , كحديث " إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ,
ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه , ومن ذلك أيضاً فتواه في حضرة الرسول
صلي الله عليه وسلم وإقراره علي ذلك .
وهو أول خليفة في الأسلام , وأول من جمع المصحف الشريف ,
وأول من قام للناس حجهم في حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعده .. وكان في الجاهلية قد حرم
علي نفسه شرب الخمر , وفي الإسلام أمتنع عن قول الشعر كما أنه رضي الله عنه
لم يفته أي مشهد مع الرسول صلي الله عليه وسلم , وقد قال له الرسول صلي الله
عليه وسلم " أنت عتيق الله من النار " , فسمّى عتيقاً .
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلون علي أبي بكر رضي الله عنه فقال : -
"كيف تفضلوني عليه , وإنما أنا حسنة من حسناته!!!!!!!!!" .
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند النبي صلي الله عليه وسلم
إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه , حتى أبدي عن ركبته , فقال النبي صلي الله
عليه وسلم " أما صاحبكم فقد غامر " فسلم وقال : " إني كان بيني وبين بن الخطاب
شيء فأسرعت إليه ثم ندمت , فسأليه أن يغفر لي , فأبي علي فأقبلت إليك "
فقال : " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثاً , ثم إن عمر ندم , فأتي منزل أبي بكر فسأل :
" آثَمّ أبوبكر " فقالوا " لا " فأتي إلي النبي صلي الله عليه وسلم , فسلم , فجعل وجه
النبي صلي الله عليه وسلم يتمعر , حتى أشفق أبو بكر, فجثا علي ركبته , فقال :
يارسول الله , والله أنا كنت أظلم مرتين , فقال النبي صلي الله عليه وسلم
" إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت , وقال أبو بكر صدق , وواساني بنفسه وماله ,
فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " . مرتين فما أوذي بعدها .
خلافته
وفي مرض الرسول صلي الله عليه وسلم أمره أن يصلي بالمسلمين , وبعد وفاة
الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بويع أبو بكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة
وكان زاهداً فيها ولم يسع إليها , إذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فوجده يبكي , فسأله عن ذلك , فقال له " يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم!!!!.
فرد عليه عمر " أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك.
قام أبو بكر رضي الله عنه في خلافته التي لم تزد علي سنتين ونصف بأعمال
جليلة من أبرزها :-
إنفاذ جيش أسامة الذي كان قد أعده رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل وفاته
للملاقاة الروم وتأديبهم .
محاربة المرتدين والمتنبئين والقضاء عليهم في أقل من عام .
جمع القرأن الكريم في مصحف واحد .
توجيه الجيوش الإسلامية للعراق والشام .